الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{وَالطُّورِ (1)} {والطور} أي الجبل الذي كلم الله عليه موسى.
{وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)} {وكتاب مُّسْطُورٍ}.
{فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)} {فِى رَقٍّ مَّنْشُورٍ} أي التوراة أو القرآن.
{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)} {والبيت المعمور} هو في السماء الثالثة أو السادسة أو السابعة بحيال الكعبة يزوره كل يوم سبعون ألف ملك بالطواف والصلاة لا يعودون إليه أبداً.
{وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)} {والسقف المرفوع} أي السماء.
{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)} {والبحر المسجور} أي المملوء.
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)} {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} لنازل بمستحقه.
{مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)} {مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ} عنه.
{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)} {يَوْمَ} معمول لواقع {تَمُورُ السماء مَوْراً} تتحرك وتدور.
{وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)} {وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً} تصير {هَبَآءً مَّنْثُوراً} [23: 25] وذلك في يوم القيامة.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)} {فَوَيْلٌ} شدة عذاب {يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذّبِينَ} للرسل.
{الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)} {الذين هُمْ فِى خَوْضٍ} باطل {يَلْعَبُونَ} أي يتشاغلون بكفرهم.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)} {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} يدفعون بعنف بدل من «يوم تمور» ويقال لهم تبكيتاً.
{هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)} {هذه النار التى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ}.
{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)} {أَفَسِحْرٌ هذا} العذاب الذي ترون كما كنتم تقولون في الوحي هذا سحر؟ {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ}.
{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)} {اصلوها فاصبروا} عليها {أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} صبركم وجزعكم {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} لأن صبركم لا ينفعكم {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي جزاءه.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)} {إِنَّ المتقين فِى جنات وَنَعِيمٍ}.
{فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)} {فاكهين} متلذذين {بِمَا} مصدرية {ءاتاهم} أعطاهم {رَبُّهُمْ ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم} عطفاً على آتاهم أي بإتيانهم ووقايتهم.
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19)} ويقال لهم: {كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً} حال أي مهنئين {بِمَا} الباء سببية {كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)} {مُتَّكِئِينَ} حال من الضمير المستكنّ في قوله تعالى في جنات {على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} بعضها إلى جنب بعض {وزوجناهم} عطف على «في جنات» أي قرناهم {بِحُورٍ عِينٍ} عظام الأعين حسانها.
{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)} {والذين ءَامَنُواْ} مبتدأ {واتبعتهم} معطوف على آمنوا ذُرِّيَّتُهُمْ} الصغار والكبار وفي قراءة (ذرياتهم)، {بإيمان} من الكبار ومن أولادهم الصغار. والخبر {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُم} المذكورين في الجنة، فيكونون في درجتهم وإن لم يعملوا بعملهم تكرمة للآباء باجتماع الأولاد إليهم { وَمَا ألتناهم} بفتح اللام وكسرها نقصناهم {مِّنْ عَمَلِهِم مِّن} زائدة {شَئ} يزاد في عمل الأولاد {كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ} من عمل خير أو شر {رَهَينٌ} مرهون يؤاخذ بالشر ويجازى بالخير.
{وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)} {وأمددناهم} زدناهم في وقت بعد وقت {بفاكهة وَلَحْمٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} وإن لم يصرحوا بطلبه.
{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)} {يتنازعون} يتعاطون بينهم {فِيهَا} أي الجنة {كَأْساً} خمراً {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} أي بسبب شربها يقع بينهم {وَلاَ تَأْثِيمٌ} به يلحقهم بخلاف خمر الدنيا.
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)} {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} للخدمة {غِلْمَانٌ} أرقاء {لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ} حسناً ولطافة {لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} مصون في الصدف لأنه فيها أحسن منه في غيرها.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25)} {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} يسأل بعضهم بعضاً عما كانوا عليه وما وصلوا إليه تلذذاً واعترافاً بالنعمة.
{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)} {قَالُواْ} إيماء إلى علة الوصول {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا} في الدنيا {مُشْفِقِينَ} خائفين من عذاب الله.
{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)} {فَمَنَّ الله عَلَيْنَا} بالمغفرة {ووقانا عَذَابَ السموم} أي النار لدخولها في المسام وقالوا إيماء أيضاً.
{إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)} {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} أي في الدنيا {نَدْعُوهُ} أي نعبده موحدين {إِنَّهُ} بالكسر استئنافاً وإن كان تعليلاً معنّى وبالفتح تعليلاً لفظاً {هُوَ البر} المحسن الصادق في وعده {الرحيم} العظيم الرحمة.
{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)} {فَذَكِّرْ} دم على تذكير المشركين ولا ترجع عنه لقولهم لك كاهن مجنون {فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} أي بإنعامه عليك {بِكَاهِنٍ} خبر ما {وَلاَ مَجْنُونٍ} معطوف عليه.
{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)} {أَمْ} بل {يَقُولُونَ} هو {شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء.
{قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)} {قُلْ تَرَبَّصُواْ} هلاكي {فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ المتربصين} هلاكهم فعذبوا بالسيف يوم بدر، والتربص الانتظار.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)} {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أحلامهم}؟عقولهم {بهذا} أي قولهم له: ساحر كاهن شاعر مجنون؟ أي لا تأمرهم بذلك {أَمْ} بل {هُمْ قَوْمٌ طاغون} بعنادهم.
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)} {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} اختلق القرآن لم يختلقه {بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} استكباراً فإن قالوا اختلقه.
{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)} {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ} مختلق {مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صادقين} في قولهم.
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)} {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَئ} من غير خالق {أَمْ هُمُ الخالقون} أنفسهم؟ ولا يُعْقَلُ مخلوق بغير خالق ولا معدوم يخلق فلا بد لهم من خالق هو الله الواحد فلم لا يوحدونه ويؤمنون برسوله وكتابه؟
{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)} {أَمْ خَلَقُواْ السموات والأرض} ولا يقدر على خلقهما إلا الله الخالق فلم لا يعبدونه؟ {بَل لاَّ يُوقِنُونَ} به وإلا لآمنوا بنبيه.
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37)} {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ} من النبوة والرزق وغيرهما فيخصوا من شاؤوا بما شاؤوا {أَمْ هُمُ المسيطرون} المتسلطون الجبارون؟ وفعله سيطر ومثله بيطر وبيقر.
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)} {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} مرقى إلى السماء {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} أي عليه كلام الملائكة حتى يمكنهم منازعة النبي بزعمهم إن ادعوا ذلك {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم} أي مدعي الاستماع عليه {بسلطان مُّبِينٍ} بحجة بينة واضحة ولشبه هذا الزعم بزعمهم أن الملائكة بنات الله قال تعالى:
{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39)} {أَمْ لَهُ البنات} أي بزعمكم {وَلَكُمُ البنون} تعالى الله عما زعموه.
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40)} {أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً} على ما جئتهم به من الدين {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ} غرم ذلك {مُّثْقَلُونَ} فلا يسلمون.
{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)} {أَمْ عِندَهُمُ الغيب} أي علمه {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ذلك حتى يمكنهم منازعة النبي صلى الله عليه وسلم في البعث وأمور الآخرة بزعمهم؟
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42)} {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً} بك ليهلكوك في دار الندوة {فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون} المغلوبون المهلكون فحفظه الله منهم ثم أهلكهم ببدر.
{أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)} {أَمْ لَهُمْ إله غَيْرُ الله سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} به من الآلهة والاستفهام بأم في مواضعها للتقبيح والتوبيخ.
{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)} {وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً} بعضاً {مّنَ السماء سَاقِطاً} عليهم كما قالوا {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَآءِ} أي تعذيباً لهم {يَقُولُواْ} هذا {سحاب مَّرْكُومٌ} متراكب نرتوي به ولا يؤمنون.
{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)} {فَذَرْهُمْ حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذى فِيهِ يُصْعَقُونَ} يموتون.
{يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46)} {يَوْمَ لاَ يُغْنِى} بدل من يومهم {عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمنعون من العذاب في الآخرة.
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)} {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} بكفرهم {عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} أي في الدنيا قبل موتهم فعذبوا بالجوع والقحط سبع سنين وبالقتل يوم بدر {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن العذاب ينزل بهم.
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)} {واصبر لِحُكْمِ رَبّكَ} بإمهالهم ولا يضيق صدرك {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} بمرأى منا نراك ونحفظك {وَسَبِّحْ} متلبساً {بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي قل: سبحان الله وبحمده {حِينَ تَقُومُ} من منامك أو من مجلسك.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)} {وَمِنَ اليل فَسَبّحْهُ} حقيقة أيضاً {وإدبار النجوم} مصدر، أي عقب غروبها سبحه أيضاً أو صَلِّ في الأول العشاءَين، وفي الثاني الفجر وقيل الصبح.
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} {والنجم} الثريا {إِذَا هوى} غاب.
{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)} {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} محمد عليه الصلاة والسلام عن طريق الهداية {وَمَا غوى} ما لابس الغي وهو جهل من اعتقاد فاسد.
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)} {وَمَا يَنطِقُ} بما يأتيكم به {عَنِ الهوى} هوى نفسه.
{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} {إِنْ} ما {هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يوحى} إليه.
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)} {عَلَّمَهُ} إياه ملك {شَدِيدُ القوى}.
{ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)} {ذُو مِرَّةٍ} قوة وشدة أو منظر حسن أي جبريل عليه السلام {فاستوى} استقر.
{وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)} {وَهُوَ بالأفق الأعلى} أفق الشمس، أي عند مطلعها على صورته التي خلق عليها فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وكان بحراء قد سد الأفق إلى المغرب فخر مغشياً عليه وكان قد سأله أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها فواعده بحراء فنزل جبريل له في صورة الآدميين.
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)} {ثُمَّ دَنَا} قرب منه {فتدلى} زاد في القرب.
{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} {فَكَانَ} منه {قَابَ} قدر {قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى} من ذلك حتى أفاق وسكن روعه.
{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} {فأوحى} تعالى {إلى عَبْدِهِ} جبريل {مَآ أوحى} جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر الموحي تفخيماً لشأنه.
{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} {مَا كَذَبَ} بالتخفيف والتشديد أنكر {الفؤاد} فؤاد النبي {مَا رأى} ببصره من صورة جبريل.
{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)} {أفتمارونه} تجادلونه وتغلبونه {على مَا يرى} خطاب للمشركين المنكرين رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل.
{وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} {وَلَقَدْ رَءَاهُ} على صورته {نَزْلَةً} مرة {أخرى}.
{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)} {عِندَ سِدْرَةِ المنتهى} لما أسري به في السموات وهي شجرة نبق عن يمين العرش لا يتجاوزها أحد من الملائكة وغيرهم.
{عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} {عِندَهَا جَنَّةُ المأوى} تأوي إليها الملائكة أوأرواح الشهداء والمتقون.
{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)} {إِذْ} حين {يغشى السدرة مَا يغشى} من طير وغيره، وإذ معمولة لرآه.
{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)} {مَا زَاغَ البصر} من النبي صلى الله عليه وسلم {وَمَا طغى} أي ما مال بصره عن مرئيه المقصود له ولا جاوزه تلك الليلة.
{لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} {لَقَدْ رأى} فيها {مِنْ ءايات رَبِّهِ الكبرى} أي العظام، أي بعضها فرأى من عجائب الملكوت رفرفاً أخضر سد أفق السماء وجبريل له ستمائة جناح.
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)} {أَفَرَءَيْتُمُ اللات والعزى}.
{وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} {ومناة الثالثة} لِلَّتَيْن قبلها {الأخرى} صفة ذم للثالثة وهي أصنام من حجارة كان المشركون يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله ومفعول أفرأيتم الأول اللات وما عطف عليه والثاني محذوف، والمعنى أخبروني ألهذه الأصنام قدرة على شيء ما فتعبدونها دون الله القادر على ما تقدم ذكره؟ولما زعموا أيضاً أن الملائكة بنات الله مع كراهتهم البنات نزلت:
{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)} {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى}.
{تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)} {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى} جائرة من ضازه يضيزه إذا ظلمه وجار عليه.
{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)} {إِنْ هِىَ} أي ما المذكورات {إِلاَّ أَسْمآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ} أي سميتم بها {أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم} أصناماً تعبدونها {مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا} أي بعبادتها {مِّن سلطان} حجة وبرهان {إِن} ما {يَتَّبِعُونَ} في عبادتها {إِلاَّ الظن وَمَا تَهْوَى الأنفس} مما زين لهم الشيطان من أنها تشفع لهم عند الله تعالى {وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهدى} على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بالبرهان القاطع فلم يرجعوا عما هم عليه.
{أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24)} {أَمْ للإنسان} أي لكل إنسان منهم {مَا تمنى} من أن الأصنام تشفع لهم؟ ليس الأمر كذلك.
{فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى (25)} {فَلِلَّهِ الأخرة والأولى} أي الدنيا فلا يقع فيهما إلا ما يريده تعالى.
{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} {وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ} أي وكثير من الملائكة {فِي السموات} وما أكرمهم عند الله {لاَ تُغْنِى شفاعتهم شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله} لهم فيها {لِمَن يَشَاءُ} من عباده {ويرضى} عنه لقوله {وَلاَ يَشْفَعُون إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [28: 21] ومعلوم أنها لا توجد منهم إلا بعد الإِذن فيها {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [255: 2].
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)} {إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة لَيُسَمُّونَ الملائكة تَسْمِيَةَ الأنثى} حيث قالوا هم بنات الله.
{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)} {وَمَا لَهُم بِهِ} بهذا المقول {مِّنْ عِلْمٍ إِنْ} ما {يَتَّبِعُونَ} فيه {إِلاَّ الظن} الذي تخيلوه {وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئاً} أي عن العلم فيما المطلوب فيه العلم.
{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29)} {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا} أي القرآن {وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا} وهذا قبل الأمر بالجهاد.
{ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)} {ذلك} أي طلب الدنيا {مَبْلَغُهُمْ مِّنَ العلم} أي نهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى} أي عالم بهما فيجازيهما.
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)} {وَللَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض} أي هو مالك لذلك ومنه الضال والمهتدي يُضِلّ من يشاء ويهدي من يشاء {لِيَجْزِىَ الذين أَسَئُواْ بِمَا عَمِلُواْ} من الشرك وغيره {وَيِجْزِى الذين أَحْسَنُواْ} بالتوحيد وغيره من الطاعات {بالحسنى} أي الجنة.
{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)} وبين المحسنين بقوله {الذين يَجْتَنِبُونَ كبائر الإثم والفواحش إِلاَّ اللمم} هو صغار الذنوب كالنظرة والقبلة واللمسة فهو استثناء منقطع، والمعنى لكن اللمم يغفر باجتناب الكبائر {إِنَّ رَبَّكَ واسع المغفرة} بذلك وبقبول التوبة، ونزل فيمن كان يقول صلاتنا صيامنا حجنا: {هُوَ أَعْلَمُ} أي عالم {بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض} أي خلق أباكم آدم من التراب {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ} جمع جنين {فِى بُطُونِ أمهاتكم فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ} لا تمدحوها أي على سبيل الإِعجاب، أما على سبيل الاعتراف بالنعمة فحسن {هُوَ أَعْلَمُ} أي عالم {بِمَنِ اتقى}.
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33)} {أَفَرَأَيْتَ الذى تولى} عن الإِيمان؟ أي ارتد لما عُيِّر به وقال إني خشيت عذاب الله وضمن له المُعير له أن يحمل عنه عذاب الله إن رجع إلى شركه وأعطاه من ماله كذا فرجع.
{وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)} {وأعطى قَلِيلاً} من المال المسمى {وأكدى} منع الباقي مأخوذ من الكدية وهي أرض صلبة كالصخرة تمنع حافر البئر إذا وصل إليها من الحفر.
{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)} {عِلْمُ الغيب فَهُوَ يرى} يعلم من جملته أن غيره يتحمل عنه عذاب الآخرة؟ لا، وهو الوليد بن المغيرة أو غيره، وجملة أعنده المفعول الثاني لرأيت بمعنى أخبرني.
{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36)} {أَمْ} بل {لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِى صُحُفِ موسى} أسفار التوراة أو صحف قبلها.
{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)} {وَ} وصحف {إِبْرَاهِيمَ الذى وفى} تمم ما أمر به؟نحو {وَإِذ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَهُنَّ} [124: 2] وبيان ما.
{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)} {أَ} ن {لا تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} إلخ وأن مخففة من الثقيلة، أي أنه لا تحمل نفس ذنب غيرها.
{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} {وَأَنَّ} أي أنه {لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} من خير فليس له من سعي غيره الخير شيء.
{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)} {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى} أي يبصر في الآخرة.
{ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} {ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزاء الاوفى} الأكمل يقال جزيته سعيه وبسعيه.
{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)} {وَأَنَّ} بالفتح عطفاً وقرئ بالكسر استئنافاً وكذا ما بعدها فلا يكون مضمون الجمل في الصحف على الثاني {إلى رَبّكَ المنتهى} المرجع والمصير بعد الموت فيجازيهم.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)} {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ} من شاء أفرحه {وأبكى} من شاء أحزنه.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)} {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ} في الدنيا {وَأَحْيَا} للبعث.
{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45)} {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين} الصنفين {الذكر والأنثى}.
{مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)} {مِن نُّطْفَةٍ} مني {إِذَا تمنى} تصب في الرحم.
{وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)} {وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة} بالمد والقصر {الأخرى} الخلقة الأخرى للبعث بعد الخلقة الأولى.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)} {وَأَنَّهُ هُوَ أغنى} الناس بالكفاية بالأموال {وأقنى} أعطى المال المتخذ قنية.
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)} {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} هو كوكب خلف الجوزاء كانت تعبد في الجاهلية.
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)} {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى} وفي قراءة بإدغام التنوين في اللام وضمها وبلا همزة، هي قوم عاد والأخرى قوم صالح.
{وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)} {وَثَمُودَاْ} بالصرف اسم للأب وبلا صرف للقبيلة وهو معطوف على عاد {فَمَا أبقى} منهم أحداً.
{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)} {وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ} أي قبل عاد وثمود أهلكناهم {إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} من عاد وثمود لطول لبث نوح فيهم {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} [14: 29] وهم مع عدم إيمانهم به يؤذونه ويضربونه.
{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)} {والمؤتفكة} وهي قرى قوم لوط {أهوى} أسقطها بعد رفعها إلى السماء مقلوبة إلى الأرض بأمره جبريل بذلك.
{فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)} {فغشاها} من الحجارة بعد ذلك {مَا غشى} أبهم تهويلاً وفي هود {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجِارَةً مِنْ سِجْيِلٍ} [82: 11].
{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)} {فَبِأَىّ ءَالآءِ رَبِّكَ} أنعمه الدالة على وحدانيته وقدرته {تتمارى} تتشكك أيها الإِنسان أو تكذب؟
{هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)} {هذا} محمد {نَذِيرٌ مِّنَ النذر الأولى} من جنسهم، أي رسول كالرسل قبله أرسل إليكم كما أرسلوا إلى أقوامهم.
{أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57)} {أَزِفَتِ الأزفة} قربت القيامة.
{لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)} {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله} نفس {كَاشِفَةٌ} أي لا يكشفها ويظهرها إلا هو كقوله {لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلاَّ هُوَ} [187: 7].
{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)} {أَفَمِنْ هذا الحديث} أي القرآن {تَعْجَبُونَ} تكذيباً.
{وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)} {وَتَضْحَكُونَ} استهزاء {وَلاَ تَبْكُونَ} لسماع وعده ووعيده.
{وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)} {وَأَنتُمْ سامدون} لاهون غافلون عما يطلب منكم.
{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} {فاسجدوا لِلَّهِ} الذي خلقكم {واعبدوا} ولا تسجدوا للأصنام ولا تعبدوها.
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} {اقتربت الساعة} قربت القيامة {وانشق القمر} انفلق فلقتين على أبي قبيس وَقعَيْقَعان آية له صلى الله عليه وسلم وقد سئلها فقال (اشهدوا) رواه الشيخان.
{وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)} {وَإِن يَرَوْاْ} أي كفار قريش {ءايَةً} معجزة له صلى الله عليه وسلم {يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ} هذا {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} قوي من المرة: القوة أو دائم.
{وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)} {وَكَذَّبُواْ} النبي صلى الله عليه وسلم {واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ} في الباطل {وَكُلُّ أَمْرٍ} من الخير والشر {مُّسْتَقِرٌّ} بأهله في الجنة أو النار.
{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)} {وَلَقَدْ جآءَهُم مِّنَ الأنبآء} أخبار إهلاك الأمم المكذبة رسلهم {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} لهم اسم مصدر أو اسم مكان والدال بدل من تاء الافتعال وازدجرته وزجرته: نهيته بغلظة وما موصولة أو موصوفة.
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)} {حِكْمَةٌ} خبر مبتدأ محذوف أو بدل من ما أو من مزدجر {بالغة} تامة {فَمَا تُغْنِ} تنفع فيهم {النذر} جمع نذير بمعنى منذر، أي الأمور المنذرة لهم وما للنفي أو للاستفهام الإِنكاري وهي على الثاني مفعول مقدم.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)} {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} هو فائدة ما قبله وتم به الكلام {يَوْمَ يَدْعُ الداع} هو إسرافيل وناصب يوم يخرجون بعد {إلى شَئ نُّكُرٍ} بضم الكاف وسكونها، أي منكر تنكره النفوس لشدته وهو الحساب.
{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)} {خُشَّعاً} ذليلاً وفي قراءة خُشَّعاً بضم الخاء وفتح الشين مشددة {أبصارهم} حال من فاعل {يَخْرُجُونَ} أي الناس {مِّنَ الأجداث} القبور {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة، والجملة حال من فاعل يخرجون وكذا قوله.
{مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} {مُّهْطِعِينَ} أي مسرعين مادين أعناقهم {إلَى الداع يقولالكفرون} منهم {هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} أي صعب على الكافرين كما في المدثر {يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الكَافِرِينَ} [10 9: 74].
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)} {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قريش {قَوْمُ نُوحٍ} تأنيث الفعل لمعنى قوم {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} نوحاً {وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وازدجر} أي انتهروه بالسب وغيره.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)} {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى} بالفتح، أي بأني {مَغْلُوبٌ فانتصر}.
{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)} {فَفَتَحْنَآ} بالتخفيف والتشديد {أبواب السمآء بِمَآءٍ مُّنْهَمِرٍ} منصب انصباباً شديداً.
{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)} {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً} تنبع {فَاْلْتَقَى المآء} ماء السماء والأرض {على أَمْرٍ} حال {قَدْ قُدِرَ} قضي به في الأزل وهو هلاكهم غرقاً.
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)} {وَحَمَلْنَاهُ} أي نوحاً {على} سفينة {ذَاتِ ألواح وَدُسُرٍ} وهو ما تشد به الألواح من المسامير وغيرها واحدها دسار ككتاب.
{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)} {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} بمرأى منا، أي محفوظة {جَزآءً} منصوب بفعل مقدر أي أغرقوا انتصاراً {لِّمَن كَانَ كُفِرَ} وهو نوح عليه السلام وقرئ (كَفَرَ) بالبناء للفاعل أي أغرقوا عقاباً لهم.
{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)} {وَلَقَدْ تركناهآ} أبقينا هذه الفعلة {ءَايَةً} لمن يعتبر بها؟أي شاع خبرها واستمر {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} معتبر ومتعظ بها؟ وأصله مذتكر أبدلت التاء دالاً مهملة وكذا المعجمة وأدغمت فيها.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)} {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} أي إنذاري؟ استفهام تقرير و(كيف) خبر كان وهي للسؤال عن الحال والمعنى حمل المخاطبين على الإِقرار بوقوع عذابه تعالى بالمكذبين لنوح موقعه.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذِّكْرِ} سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ به وحافظ له؟ والاستفهام بمعنى الأمر، أي احفظوه واتعظوا به وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر القلب غيره.
{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18)} {كَذَّبَتْ عَادٌ} نبيهم هوداً فعُذِّبُوا {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} أي إنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله؟ أي وقع موقعه وقد بينه بقوله:
{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)} {إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} أي شديدة الصوت {فِى يَوْمِ نَحْسٍ} شؤم {مُّسْتَمِرٍّ} دائم الشؤم أو قويه وكان يوم الأربعاء آخر الشهر.
{تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20)} {تَنزِعُ الناس} تقلعهم من حفر الأرض المندسين فيها وتصرعهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فتبين الرأس عن الجسد {كَأَنَّهُمْ} وحالهم ما ذكر {أَعْجَازُ} أصول {نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} منقلع ساقط على الأرض وشبّهوا بالنخل لطولهم وذُكِّر هنا وأنّث في الحاقة {نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [7: 69] مراعاة للفواصل في الموضعين.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)} {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ}.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)} {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر} جمع نذير بمعنى منذر، أي بالأمور التي أنذرهم بها نبيهم صالح إن لم يؤمنوا به ويتبعوه.
{فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)} {فَقَالُواْ أَبَشَراً} منصوب على الاشتغال {مِّنَّا واحدا} صفتان ل (بشرا) {نَّتَّبِعُهُ} مفسر للفعل الناصب له والاستفهام بمعنى النفي، المعنى: كيف نتبعه ونحن جماعة كثيرة وهو واحد منا وليس بملك؟ أي لا نتبعه {إِنَّا إِذَاً} أي إن اتبعناه {لَفِى ضلال} ذهاب عن الصواب {وَسُعُرٍ} جنون.
{أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)} {أَءُلْقِيَ} بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وادخال ألف بينهما على الوجهين وتركه {الذكر} الوحي {عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} أي لم يوح إليه {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ} في قوله إنه أوحي إليه ما ذكر {أَشِرٌ} متكبر بطر، قال تعالى:
{سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)} {سَيَعْلَمُونَ غَداً} في الآخرة {مَّنِ الكذاب الاشر} وهوهم بأن يعذبوا على تكذيبهم نبيهم صالحاً.
{إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27)} {إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} مخرجوها من الهضبة الصخرة كما سألوا {فِتْنَةً} محنة {لَّهُمْ} لنختبرهم {فارتقبهم} يا صالح أي انتظر ما هم صانعون وما نصنع بهم {واصطبر} الطاء بدل من تاء الافتعال أي اصبر على أذاهم.
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)} {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ المآء قِسْمَةٌ} مقسوم {بَيْنَهُمْ} وبين الناقة فيوم لهم ويوم لها {كُلُّ شِرْبٍ} نصيب من الماء {مُّحْتَضَرٌ} يحضر القوم يومهم والناقة يومها فتمادوا على ذلك ثم ملوه فهموا بقتل الناقة.
{فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)} {فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ} قداراً ليقتلها {فتعاطى} تناول السيف {فَعَقَرَ} به الناقة، أي قتلها موافقة لهم.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)} {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} أي إنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله أي وقع موقعه وبيّنه بقوله:
{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)} {إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحدة فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} هو الذي يجعل لغنمه حظيرة من يابس الشجر والشوك يحفظهن فيها من الذئاب والسباع وما سقط من ذلك فداسته هو الهشيم.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)} {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر} أي بالأمور المنذرة لهم على لسانه.
{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)} {إِنّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً} ريحاً ترميهم بالحصباء وهي صغار الحجارة الواحد دون ملء الكف فهلكوا {إِلاَّ ءَالَ لُوطٍ} وهم ابنتاه معه {نجيناهم بِسَحَرٍ} من الأسحار أي وقت الصبح من يوم غير معين ولو أريد من يوم معين لمنع الصرف لأنه معرفة معدول عن السحر لأن حقه أن يستعمل في المعرفة بأل وهل أرسل الحاصب على آل لوط أولاً؟ قولان وعبر عن الاستثناء على الأول بأنه متصل وعلى الثاني بأنه منقطع وإن كان من الجنس تسمحاً.
{نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)} {نِّعْمةًَ} مصدر، أي إنعاماً {مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ} أي مثل ذلك الجزاء {نَجْزِى مَن شَكَرَ} أنعمنا وهو مؤمن أو من آمن بالله ورسوله وأطاعهما.
{وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36)} {وَلَقَدْ أَنذَرَهُم} خوفهم لوط {بَطْشَتَنَا} أخذتنا إياهم بالعذاب {فَتَمَارَوْاْ} تجادلوا وكذبوا {بالنذر} بإنذاره.
{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)} {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} أي أن يخلي بينهم وبين القوم الذين أتوه في صورة الأضياف ليخبثوا بهم وكانوا ملائكة {فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ} أعميناهم وجعلناها بلا شق كباقي الوجه بأن صفقها جبريل بجناحه {فَذُوقُواْ} فقلنا لهم ذوقوا {عَذَابِى وَنُذُرِ} أي إنذاري وتخويفي، أي ثمرته وفائدته.
{وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)} {وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً} وقت الصبح من يوم غير معين {عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} دائم متصل بعذاب الآخرة.
{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39)} {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ}.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
{وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)} {وَلَقَدْ جآءَ ءَالَ فِرْعَوْنَ} قومه معه {النذر} الإِنذار على لسان موسى وهارون فلم يؤمنوا.
{كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)} بل {كَذَّبُواْ بئاياتنا كُلِّهَا} أي التسع التي أوتيها موسى {فأخذناهم} بالعذاب {أَخْذَ عَزِيزٍ} قوي {مُّقْتَدِرٍ} قادر لا يعجزه شيء.
{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)} {أَكُفَّارُكُمْ} يا قريش {خَيْرٌ مّنْ أولئكم} المذكورين من قوم نوح إلى فرعون فلم يعذبوا؟ {أَمْ لَكُمْ} يا كفار قريش {بَرَآءَةٌ} من العذاب {فِى الزبر} الكتب؟ والاستفهام في الموضعين بمعنى النفي أي ليس الأمر كذلك.
{أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)} {أَمْ يَقُولُونَ} أي كفار قريش {نَحْنُ جَمِيعٌ} أي جمع {مُّنتَصِرٌ} على محمد ولما قال أبو جهل يوم بدر إنا جمع منتصر نزل:
{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} فهزموا ببدر ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم.
{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)} {بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} بالعذاب {والساعة} أي عذابها {أدهى} أعظم بلية {وَأَمَرُّ} أشد مرارة من عذاب الدنيا.
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47)} {إِنَّ المجرمين فِى ضلال} هلاك بالقتل في الدنيا {وَسُعُرٍ} نار مُسَعَّرة بالتشديد أي مهيجة في الآخرة.
{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النار على وُجُوهِهِمْ} أي في الآخرة ويقال لهم {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} إصابة جهنم لكم.
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} {إِنَّا كُلَّ شَئ} منصوب بفعل يفسره {خلقناه بِقَدَرٍ} بتقدير حال من كل أي مقدراً، وقرئ (كل) بالرفع مبتدأ خبره خلقناه.
{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} {وَمَآ أَمْرُنَآ} لشيء نريد وجوده {إِلاَّ} أمرةٌ {واحدة كَلَمْحٍ بالبصر} في السرعة وهي قول (كن) فيوجد {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [82: 36].
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)} {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ} أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}؟استفهام بمعنى الأمر، أي اذكروا واتعظوا.
{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)} {وَكُلُّ شَئ فَعَلُوهُ} أي العباد مكتوب {فِى الزبر} كتب الحفظة.
{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)} {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الذنب أو العمل {مُّسْتَطَرٌ} مكتوب في اللوح المحفوظ.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)} {إِنَّ المتقين فِى جنات} بساتين {وَنَهَرٍ} أريد به الجنس، وقرئ بضم النون والهاء جمعاً كأسد وأسد، والمعنى إنهم يشربون من أنهارها الماء واللبن والعسل والخمر.
{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم أريد به الجنس، وقرئ (مقاعد) المعنى أنهم في مجالس من الجنات سالمة من اللغو والتأثيم بخلاف مجالس الدنيا فقلّ أن تسلم من ذلك، وأعرب هذا خبراً ثانياً وبدلاً وهو صادق ببدل البعض وغيره {عِندَ مَلِيكٍ} مثال مبالغة، أي عزيز الملك واسعه {مُّقْتَدِرٍ} قادر لا يعجزه شيء وهو الله تعالى (عند) إشارة إلى الرتبة ومن فضله تعالى.
|